الاثنين، 23 يونيو 2014

خطية الغباء



بعض الخطايا كالأمراض ...
لا يمكن التخلص منها بمجرد التوبة والاعتراف ...
بل يحتاج الأمر إلى جهاد كثير وعلاج طويل ...
حتى يتم الشفاء من تلك الخطية والتخلص منها ...

مثال ذلك الخوف ... والشهوة ... وأيضا الغباء أو الحماقة ...

والكتاب المقدس تكلم كثيرا في أسفار الحكمة عن الحماقة مستنكرا اياها ...

فالإنسان قد خلق له الله عقلا قادرا على التفكير والتبصر في الأمور ...
وعدم استخدام هذا العقل بسبب الكسل والبلادة العقلية هو خطية في حد ذاتها ...
تؤدي إلى خطايا أعظم متعلقة بالحماقة ومترتبة عليها ...

ولست أقصد بالطبع درجات الغباء المرضية كالتخلف العقلي ...
ولكن أقصد الانسان الطبيعي متوسط الذكاء ...
هذا إن لم يجاهد بفكره لكي يبني نفسه ...
يصير أحمقاً !!!

والحماقة تظهر في الحديث وفي التصرفات ...
وقد كان البابا كيرلس السادس عندما يرى شخصا يتصرف بحماقة ...
يقول له : ...
إعمل لك عقل يا بني !!!

إذن ومن هذا المفهوم ... يجب على كل إنسان أن يعمل لنفسه عقلا ...
وإلا ظل أحمقاً ...

باطن الاحمق كاناء مكسور لا يضبط شيئا من العلم
(يشوع بن سيراخ 21 : 17 )

والانسان لكي يصير حكيما ويتخلص من الحماقة ...
يجب عليه أولا أن يتتلمذ على الحكماء ...
في الكنيسة ومن خلال الكتب ...

كما يجب أن يقرأ كثيرا في الكتاب المقدس وسائر الكتب ...
ويسأل كثيرا ... ثم يجب أيضاً أن يتأمل كثيرا ...

فالقراءات والاجابات الكثيرة التي نتلقاها خلال حياتنا من آخرين ...
تكون مرصوصة في العقل بجوار بعضها مثل "الصورة اللغز" التي يلعب بها الأطفال وهي مبعثرة ...

أما التأمل ... فهو الوسيلة الوحيدة لاعادة ترتيب أجزاء اللغز ... لكي تكتمل الصورة واضحة ...
أو ترتيب تلك الأفكار في بنيان متكامل ... وليس أجزاء مبعثرة لا علاقة لها ببعضها البعض !!!

كما أن من أهم وسائل إقتناء الحكمة ... هو الجهاد النسكي ...
فالقديس مار اسحق السرياني قد قال : ...
إنه يستحيل أن يخضع لك عقلك ... إن لم يخضع لك جسدك أولا ...

وأيضا الكبرياء والأنانية وحب الذات هم واحد من أهم أسباب الحماقة ...
حيث يطالب الإنسان بأشياء .. هو في نفس الوقت لا يعملها من أجل قريبه ...
فيبدو تصرفه في منتهى الحماقة ...

كما أنه يطالب أيضا بأشياء ... ويدعي لنفسه أشياء ...
ليست من حقه ... ولا من الأدب قولها ...
وذلك بدوافع الأنانية والكبرياء ...

إذن التلمذة والقراءة والتأمل هم الجهاد الأول ضد الحماقة ...
والنسك أي جهاد الجسد هو الجهاد الثاني ضد الحماقة ...
ومحبة القريب كالنفس ... هي الجهاد الثالث ضد هذه الرزيلة أي الحماقة !!!

الانسان الروحي لابد أن يكون حكيما ...
بل إن جميع أصول الإتيكيت والبروتوكل مأخوذة أصلا من تعاليم الكتاب المقدس ...
وأول مبادئ الإتيكيت قد وضعها رهبان مصر في الأسقيط ...
ومازال العالم كله يعمل بها حتى اليوم !!!

يحكى أن البابا كيرلس السادس كان تعليمه بسيطا لا يزيد عن الثانوية العامة ...
وعاش راهبا بسيطا طيلة حياته بعيدا عن المحافل والرؤساء ...

فلما أختير من الله بطريركا ...
خاف البعض أن يتصرف تصرفات خاطئة ضد الإتيكيت والبروتوكولات الرسمية ...
خاصة مع رجال الدولة والضيوف الرسميين ...

فأحضروا أناسا متخصصين في ذلك المجال ... دارسين له جيدا ...
وطلبوا منهم أن يقفوا قريبا من البابا مستعدين ...
للتدخل في أي لحظة قد يرتكب فيها البابا خطأً حسب تخيلهم ...

والعجيب أنهم لم يحتاجوا للتدخل مطلقاً ... ولا حتى مرةً واحدةً ...
إذ أن البابا كان يتمتع بحكمة عالية وحس روحاني من الله ...
لم يحتج معه لأن يتعلم من البشر !!!

وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ.
(يوحنا 6 : 45 )

ليست هناك تعليقات: