الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

1. تحب الرب إلهك من كل فكرك - أ


1. كل فكرك ...

Luk 10:25 وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»

Luk 10:26 فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟»

Luk 10:27 فَأَجَابَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ».

وقد ذُكر في إنجيل متى 22: 40 ... أنه

"بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ»."
يقصد بالوصيتين: محبة الله ... ومحبة القريب ...

وقد رتب الوحي الإلهي هذه الآية العجيبة حسب خطوات قبول الإيمان ... فالانسان ينجذب قلبيا أولا نحو الله ... ثم ينفعل نفسيا به ... ثم يستجمع قدرته ويعد العدة للطريق ... ثم يعلن إيمانه بفكره ...

ولكن في الحقيقة فإن شفاء الانسان يحدث في الاتجاه الآخر ... أي يبدأ من الفكر ... ثم يتطور إلى القدرة ... ثم إلى النفس ... ثم إلى القلب ...

أولا الفكر: "تحب الرب إلهك ......... من كل فكرك"

يجب على الانسان الذي يريد أن يسير في طريق القداسة أن يحب الله من كل فكره ... وكلمة "كل" تشمل ... الكمية ... والنوعية ... والعمق والارتفاع ... والزمن ...

فمن جهة كمية أفكارك ... يجب أن تستخدم أكبر عدد ممكن من الأفكار لمحبة الله ... حسب ما قال معلمنا بولس الرسول في رسالتة الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 5

هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ،

فيجب من جهة أن تكون كل أفكار الانسان لله ... ليس بداخله إنقسام بين مصالح شخصية ... وأسرة وعمل ومستقبل ... وخدمة والله إلخ ... بل الكل لله ... فأنت وأسرتك وعملك وخدمتك وكل مالك ... لله ... كل تلك الأشياء هي وزنات مقدسة لتعمل فيها لمجد الله ... فأنت إذن تفكر وتعمل وتربي الأولاد وتخدم ... بل وتلعب وتتنزه مع أسرتك ... من أجل الله ... والله فقط ...

ومن جهة أخرى ... يجب أن تستفيد بكل فكر عالمي بشري ... إن كان علم أو فن أو أدب أو فلسفة من أجل الله ... تستخدم الجميع لأجل مجد إسمه ... فالايجابي منه تنشره وتتأمل فيه ... والسلبي ترد عليه وتهدمه في عقول أولادك ...

وهذا يقودنا إلى عنصر العمق والارتفاع في الفكر ...
اقصد بالعمق ... أن تتعمق فهم الأشياء ودراستها وخاصة الكتاب المقدس والعقيدة والطقس ... وأقصد بالارتفاع ... أن تسمو بأفكارك وتتأمل في كل شيء ... بدءا من الكتاب المقدس ... ومنه إلى كل حياتك ... يجب ألا تترك مناطق مظلمة في فكرك ... بل إبحث وإجتهد وإدرس وإسأل وتأمل ...
فالتأمل بالنسبة للأفكار ... مثل الهضم بالنسبة للطعام ...
فالأفكار لن تأخذ موضعها الصحيح في عقلك دون تأمل ... قبل التأمل تكون أفكارك مرصوصة إلى جانب بعضها البعض ... ولكن بعدما تتعلم التأمل ... تتحول أفكارك إلى منظومة متكاملة وبناء شامخ !!!

رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 4: 8
أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا.

وأما من جهة النوعية ... فلا حاجة بنا إلى القول أن جميع أفكارك يجب أن تكون مقدسة طاهرة جليلة ... حسب ما ورد في الآية السابقة أيضا ... وأنه لا يجب أبدا أن تسمح لنفسك بأفكار شريرة نجسة أو سلبية ... وهذا الأمر يتطلب جهدا وعناية ...

فالجهد يكون في تحصيل العلم وقراءة الكتب ... لشحن الفكر بالأفكار المقدسة ... وقد قال القديس العظيم أنبا أنطونيوس:
"إجهد نفسك في قراءة الكتب ... فهي تخلصك من النجاسة"

وكما هو معلوم أن العقل يعمل كماكينة لطحن ما تضعه فيه ... لذلك وجب علينا العناية جدا بما ندخله لفكرنا ... وما نقدمه لأولادنا ...

كما يجب العناية أيضا بأفكارنا على الدوام ... وهو ما يسمى بالسهر الروحي ... أو يقظة الفكر ... والانتباه طول الوقت لنوعية الأفكار التي تدور بأذهاننا ...

وهذا يقودنا إلى العنصر الآخر في تأملنا عن كلمة "كل فكرك" أي عنصر "الزمن" ... إذ يجب علينا تقديس فكرنا كل الوقت ... أي أن تكون أفكارنا مع الله طوال اليوم ... وأقول طوال اليوم ... يعني في اليقظة كما في المنام أيضا ...

وهو تدريب مفرح ممتع جدا ... يحول حياة الانسان من حياة روتينية مملة ثقيلة ... إلى أوقات بهية وحياة مفرحة ... فيجب علينا أن نتحدث مع الله طول اليوم ... يكون هو أول من نحدثه عند اليقظة ... ثم نستمر في الحوار معه باقي وقتنا ... فنبدأ يومنا بالشكر والسجود ... ثم نستمر في الحديث مع الله حسب كل موقف ... فقبل ارتداء ملابسك تطلب اليه أن يكسوك بالبر ويعطيك نعمة في عيون الآخرين وقبل الخروج تقول له أنك متوكل عليه ... وقبل عبور الطريق أطلب حمايته ... وقبل قيادة سيارتك أطلب قيادته هو وارشاده ... وقبل دخولك العمل أطلب بركته وحمايته ... وقبل دخولك في مقابلة أطلب حضوره وادارته هو للأمور ...

قبل خروج زوجتك وأولادك إلى أعمالهم تطلب لهم الحماية والبركة ... الخ ... وهكذا تظل طوال اليوم تتحدث مع الله ... فاذا كنت لا تجد ما تقوله ... يكفي أن تردد ببساطة "يا رب إرحم" وهي طلبة رائعة تشمل جميع الطلبات والصلوات ...

رددها طوال يومك وخاصة وأنت تعمل أعمالا يدوية لا ذهنية ... بدءا من غسيل أسنانك وأخذ دش في الصباح ... ثم في الطريق إلى العمل ... الخ

وأثناء قيامك بأعمال ذهنية تحتاج إلى التركيز ... إعمل بكل طاقتك ... ولكن لا تنسى أن ترفع قلبك من وقت لآخر لله بهذه الطلبة الجميلة ... خاصة وأنت بين الناس ... إنتهز فرص الصمت من وقت لآخر لتصلي ... سواء أثناء الصمت أو حديث الآخرين ... طبعا صلوات قصيرة سريعة ... لا تعطلك عن التركيز ومتابعة الحوار ...

هذا طبعا خلاف الصلوات الطقسية التي يجب أن تكرس لها أوقاتا مقدسة في يومك ... على الأقل في الصباح والمساء في المخدع ... وباقي اليوم ... يمكنك أن تصلي باقي سواعي الأجبية في المكتب ... أو ما تحفظه منها في الطريق أو أثناء أي عمل ...

فإن كنت أمينا على فكرك لله هكذا طوال يقظتك ... يعطيك الله أمانة على فكرك حتى أثناء نومك .... فتتحول أحلامك إلى أحلام مقدسة ... صلاة وتناول وكنيسة وقديسين ... بل إن البعض يجدون أنفسهم يرددون بعض الصلوات وقطع الأجبية عندما يستيقظون من النوم ...

وهذه هي الخطوة الأولى في شفاء الانسان ... وتسمى ... نقاوة الفكر !!!
(سامحوني على الإطالة )
(يتبع)

ليست هناك تعليقات: